أهم الأخبارمنوعات

معزوفات ومشاهد من الحياة للدكتورة شيرين زكي

 

حين تمتزج القيم الإنسانية الرفيعة، مع الأصول الشرقية التي تجملها وتحميها قيم روحية وثوابت دينية بحتة، تعانقها ثقافة منفتحة على الغرب وسعة إطلاع وعمق في التجربة المحلية المصرية والعربية، فإننا في حاضرة كتاب خواطر شيرينية للدكتورة شيرين زكي أستاذ اللغويات الفرنسية بجامعة عين شمس، والصادر عن الأنجلو المصرية في 140 صفحة من القطع المتوسط.
وهكذا بنت الكاتبة موضوعات كتابها بناءً سرديًا ممتعًا، الخيط الرابط لموضوعاته ومحوره هو الإنسان، لا يهم النوع الاجتماعي، رغم أن للمرأة حظ وافر من النصوص والموضوعات التي تطرق لها الكتاب، إلا أن التناول، لم يكشف طابع نسوي فيه من التحيزات أو البكائيات والمظلوميات ما قد نراه في الكثير من الأعمال التي اكتظت بها المكتبة المصرية والعربية خلال ربع القرن الأخير، بل على النقيض تمامًا، تكاد الكاتبة تخفي ذاتها بين السطور والحكايات والقصص والتجارب والعبر والدروس، لتنتصر لبني الإنسان، أكثر من انتصارها للمرأة أو الرجل، تنتصر لقيم الحق والخير والعدل والجمال والحرية، أكثر من نبذها للعنف والعدوان والظلم والغدر والخيانة والخذلان وخرق العهود والوعود.
متى تشعر المرأة بأنوثتها؟
عنوان لافت وصادم، يغازل الصور النمطية الرائجة في المخيلة الشعبية، ويكاد ينسف بوعي ظاهر كل المقولات الزائفة الوهمية حول الأنوثة المادية، تستعير د شيرين زكي المقولة الشهيرة للكاتبة الفرنسية سيمون دي بوفوار والتي تقول فيها: ” المرأة لا تولد امرأة بل تصبح امرأة” في إشارة قطعية منها على أن الأنوثة شيء مصطنع اجتماعيًا ولا يرتبط بالحتمية البيولوجية، تبرر ذلك مؤلفة الكتاب فتقول:
فالأصل أنه لا توجد صورة محددة مسبقة للأنوثة، وليس هناك شكل مثالي على المرأة أن تطابقه؛ لكي تشعر بأنوثتها. ولكن المجتمع دأب على ترويج صورة نمطية تربط الأنوثة بالجمال الشكلي. وأصبح من الطبيعي أن تسعى المرأة باجتهاد؛ للوصول إلى هذه المعايير.
فقط من رفضن هذه الصورة النمطية هن من وصلن إلى قمة الأنوثة، والجاذبية. فأنوثة المرأة تنبع من داخلها، ولا تحتاج إلى أي نوع من أنواع التجميل الخارجي.

الحب
وفي رحلة تصفحي للكتاب شممت العطور الباريسية والثقافة الفرنسية الرفيعة للمؤلفة التي تلقت دراساتها ما بعد الجامعية في جامعة السربون، وإن احتفظت بعقل وفكر ووجدان شرقي شفاف فيه من الأصالة الكثير، إذ تعالج قضايا بالغة الحساسية في كتابها، بمنتهى السلاسة والعذوبة في الأسلوب، وكأنها تمسك بمشرط جراح ماهر، أو تسلط شعاع ليزر بمهارة فائقة لأصطياد جوهر الأشياء والحكايات، فهذا الكاتب الفرنسي الشهير ستاندال الذي عاش في القرن التاسع عشر، حاضرًا بقوة في سطور شيرين، تستدعيه بنظريته عن الحب والتي أسماها التبلور، وتصل في تناولها لعلاقات الحب إلى الخلاصات الثمينة التالية:
عندما يقع إنسان في الحب فإنه يميل عادة إلى تزيين حبيبه، وخلع صفات الجمال، والكمال عليه، ويظل يضفي عليه من رائع الصفات ما ليس فيه، ولكن مما صنعه خياله.
تقول المؤلفة تعقيبًا: هنا يكمن كل الخطأ. فكثيرًا من فرط إعجابنا بشخص ما نصنع منه في مخيلتنا شخصًا آخر لا نرى فيه عيبًا، أو نقيصة. فقد أعمتنا البلورات المتلألأة عن رؤية الشخص الحقيقي، والغياب، أو الهجر أو انقطاع الوصل فرصة عظيمة؛ لازدياد التبلور. ثم إذا تجدد اللقاء وعاد الوصل قد تشتكي من تغير الحبيب وعدم اهتمامه. ولكن الحقيقة أنه لم يتغير.. كل ما هنالك أن تلك الحبيبات قد بدأت بالذوبان واحدة تلو الأخرى، وصرت ترى الغصن عاريًا يابسًا أجرد.
تحت عنوان سيدنا إبراهيم تطرق الكتاب برشاقة للتفكير خارج الصندوق أو ما أطلق عليه إدوارد دو بونو مصطلح التفكير الجانبي في مواجهة التفكير العمودي الرأسي المعتاد، وتقارع المؤلفة حجج سيدنا إبراهيم بحجج النمرود في مسألة القدرة على الإحياء والموت، وهنا تقول:
سيدنا إبراهيم قال له ربنا يأتي بالشمس من الشرق تفضل أنت وآتي بها من الغرب “فبهت الذي كفر”. صفعة عقلية مدوية أربكت تفكير النمرود، وأفقدته النطق، وهذا نتاج التفكير الجانبي (أو التفكير عمومًا) أن يجعلك تحرج خصمك عقليا وتهزمه هزيمة منطقية ساحقة. أما السب، والتخوين، والترهيب فهم حيلة المفلسين عقليًا.
المرأة
تمتلك الدكتورة شيرين ذكي حسًا نقديًا ساخرًا وساحرًا في آن، توظفه بجدارة في كشف تناقضات الرجل الشرقي وكذلك المرأة الشرقية، يتجلى ذلك في نصها المعنون بي كوني امرأة وفيه مزج بين الفصحى والعامية حيث تقول:
كاظم الساهر فنان استثنائي مزيج رائع من الصوت المتميز، والألحان البديعة، والكلمة المنتقاة الراقية عشان كده هو بلا منازع أيقونة الرومانسية عند النساء.
وقعت أدامي بالصدفة قصيدة “كوني امرأة” أغنية عظيمة فعلًا وواقعية جدا لأنها بتعبر عن مواصفات فتاة الأحلام بالنسبة للرجل.. يعني شوية تفاصيل بسيطة كده بيطلبها الرجل في المرأة اللي بيحبها.
معظم أبيات القصيدة بتبدأ بكوني، وبعدها أستاذ كاظم بيرص الطلبات : “كوني امرأة خطرة ، كوني القسوة، كوني النمرة، كوني فرسًا، كوني سيفًا، كوني شبكًا، كوني برقًا، كوني رعدًا، كوني غضبًا… ” يعني ناقص يقولها كوني مقرمشة من برة، وطرية من جوه طب يا فندم تحب تجرب مع الأوردر شرائح الخبز بالثوم اللذيذة؟ طب أصابع الموتزريلا المقلية؟ طب عندنا عرض مع كل طلب تاخد سبرنج رولز بالسبانخ هدية.. لأ.. ماشي.
وبعدين الملفت للنظر أن الأستاذ كاظم (والرجل عمومًا) دايما يطلب الحاجة، وعكسها يعني كوني برقًا كوني رعدًا.. كوني صيفًا.. إزاى ؟ اتصرفي يا ماما مش مشكلتي.
الحزن
توظف أستاذة اللغويات في كتابها مفردات بالإنجليزية والفرنسية كما تمزج الفصحى بالعامية، وربما يرجع السبب في ذلك إلى أن نواة الكتاب وبذرته الأولى غُرست وطرحت تفاعلًا واسعًا عبر الفيسبوك، حيث شرائح متنوعة من القراء بتفاوت واضح في التكوين والخلفيات، فحين تصف القلب الحزين المثقل بالهموم بالفرنسية تستخدم عبارة J’ai le cœur gros ، ومعناها قلبي مثقل بالهموم وهو تعبير يدل على امتلاء القلب بما ينوء به فيصبح عبئًا ثقيلًا تحمله في صدرك. إلا أن بلاغة التعبير القرآني عن الحزن لا تعادلها بلاغة وهنا يأتي التفضيل الخاص للكاتبة لما ورد في القرآن الكريم تعبيرًا عن الحزن “وأصبح فؤاد أم موسي فارغًا”، فالفؤاد الفارغ أكثر حزنًا وأشد ألمًا لأنه يعجز عن الاستمتاع بمباهج الحياة.. الفؤاد الفارغ به شيء مفقود يجعل الحياة باهتة لا طعم لها، ولا لون.ومابين امتلاء القلب، وفراغه أدعو الله أن يرزقنا قلوبًا سعيدة راضية مطمئنة.
نيتشة
ترفض شيرين زكي الخضوع والتسليم بالمقولات المعلبة، فتناقش مقولة الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه: “الضربات التي لا تقتلني تقويني”، وتقول الضربات التي لا تقتلني تصيبني بالحزن، والإحباط واليأس. الضربات التي لا تقتلني تترك في النفس غصة لا تذهب وجروحًا لا تلتئم. فالنفس البشرية ليست كالحديد الذي يزداد صلابة بالطرق عليه. النفس البشرية تتعب من توالي الطعنات. فكثرة الضربات تدمي القلب وتكسر الخاطر وتجعل الانسان يفقد لذه الاستمتاع بالحياة. الضربات التي لا تقتلك تميتك وأنت على قيد الحياة. فقط إيمانك بعدالة السماء هو ما يعيد النور لروحك المظلمة.
الأمان
الرائع في السرد البديع لموضوعات الكتاب أنه يقدم ملامح من شخصية الكاتبة، في صور نصائح بما تؤمن به من قيم ومبادئ وحتى أساليب وطرائق للتصرف في بعض المواقف، كما تمس خفيفًا بعض القضايا الحساسة كالنزاهة والأمانة والفساد، وتبرع كثيرًا في تناولها لمعاني الوفاء والأمان والمودة والرحمة، ففي الأمان كتبت تقول:
أن تشعر بالأمان مع من تحب تعني أن تتبدد في وجوده كل مشاعر الخوف، والقلق فتحل محلها الراحة، والسكينة، والطمأنينة.. أن تكون على يقين أن مكانتك في قلبه لن ينافسك فيها أحد فهو يحبك كما أنت ويتقبلك كما أنت.. أن يهون عليك قسوة الأيام ويكون لك السند الذي يجعلك قادرًا على مواجهة تقلبات الحياة بقوة.. أن يمسك بيدك لتنهض بعد كل سقوط وتعثر.. أن تكتفي به عن الآخرين.. وأن تثق – وأنت في قمة حزنك ويأسك – أن كل شيء سيصبح في النهاية بخير.
والدكتورة شيرين دارسة للغة الفرنسية بكلية الألسن جامعة عين شمس، وتعمل أستاذًا مساعدًا بكلية البنات جامعة عين شمس في تخصص اللغويات الفرنسية، وهي مهتمة بالأدب الفرنسي والعالمي والعربي. وفي مجال الأبحاث ينصب اهتمامها على تحليل الخطاب والفعالية الحجاجية، ولها قراءات في الفلسفة والمنطق والفقه الديني والأدب، أما أبرز هواياتها القراءة والكتابة وزراعة النباتات والطبخ.
ودائمًا ما تردد: زوجي وأولادي في مقدمة أولوياتي ونجاحي في الحياة مرهون بإسعادهم والعمل على راحتهم. وأعشق عملي كأستاذة في الجامعة و علاقتي بطلابي علاقة خاصة جدا يحركها الحب والاحترام المتبادل وكما قال سقراط “كيف أعلمه وهو لا يحبني؟”.
وتضيف أضطر أحيانا لعمل بعض التوازنات بسبب كثرة الالتزامات والمسئوليات فأرجئ بعض الأعمال لحين إيجاد الوقت المناسب لها. فالحياة ليست سباقا والنجاح الحقيقي ليس مقترنا بكثرة الانجازات بل بقيمتها.

د. سمير محمود

 

 

 

الوسوم

موضوعات ذات صلة »

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock